هل تتسبب الثروة في الصدمات النفسية للأغنياء؟
19th ديسمبر 2021 / كتب بواسطة Harbor London
الصدمة النفسية ليست بالأمر الذي يربطه الناس عادةً بالثروة؛ كثيراً ما يفترض الناس سهولة حياتك لمجرد امتلاكك الثروة، إلا أن الأبحاث الحديثة أظهرت عدم صحة هذا الافتراض. في الواقع، حالات الإصابة بالأمراض النفسية والإدمان يمكن أن تكون بنفس الانتشار أو أكثر بين الأغنياء عن غير الأثرياء. في هذه المقالة سوف نوضح لكم الأمر.
أسباب الصدمات النفسية
عادةً ما ترتبط الصدمات النفسية بأشكالها الأكثر وضوحاً وتطرفاً، مثل العنف والاعتداء الجسدي والجنسي ومشاهدة وفاة شخص والإهمال. رغم أن كل الأسباب السابقة تبرر حدوث صدمة نفسية، إلا أن من وجهة نظر علاجية، يمكن لمجموعة واسعة من الأشياء أن تضع المخ تحت ضغط كافٍ للتسبب في صدمة نفسية.
التعرض للإجهاد لفترات طويلة أمراً مؤلماً. يمكن لهذا التسبب في تغييرات دائمة في اللوزة الدماغية، والحصين والقشرة الجبهية. يمكن لهذا أيضاً أن يزيد من مستويات “هرمون التوتر” الكورتيزول ونُورأدرينالين. وتشير التقديرات إلى أن 16٪ من الأشخاص الذين يعانون من الإجهاد يعانون من آثار جانبية دائمة ناتجة عنه. يُعرف هذا باسم اضطراب ما بعد الصدمة. يمكن أن تؤدي هذه الحالة إلى العديد من مشكلات الصحة النفسية والبدنية المختلفة مثل الاكتئاب والقلق والإدمان والمشاكل الصحية.
هناك بالطبع مستويات مختلفة من الثروة. مدخرات حياة شخص واحد في المملكة المتحدة قد تجعله غنياً نسبياً في بلد أقل نمواً، وثروة شخص غني في دولة نامية قد تجعله فقيراً في دولة متقدمة. ستركز هذه المقالة على من لديهم دخل لا يقل عن ثلاثة أضعاف متوسط الدخل في بلدهم.
العلاقة بين الثراء والاكتئاب
حيث وجد الباحثون أنه كلما زاد ثراء الدولة، ارتفعت معدلات الاكتئاب. ووجدت إحدى الدراسات أن الشباب الأغنياء في أمريكا يعانون من حالات اكتئاب أعلى من أقرانهم الأقل ثراءاً. وكانوا أيضاً أكثر عرضة لاستخدام المخدرات والكحول والتبغ. أحد أسباب ذلك هو أن العائلات الأكثر ثراءاً كانوا أكثر عُرضة لتقبل القنب (الماريغوانا، الحشيش) والكحول. وعلى الرغم من هذا السلوك، فقد أظهرت الأبحاث أن استخدام أي شكل من أشكال المخدرات في سن المراهقة يعد مؤشراً رئيسياً للإدمان في وقت لاحق. كما زعم بعض الباحثين أن استخدام المراهقين للحشيش قد يكون بمثابة استراتيجية للتكيف في سن المراهقة .
السعي للكمال وآثاره السلبية
قد يواجه الأطفال الأغنياء ضغوطاً شديدة من البيئة المحيطة بهم، يصاحبها توقعات مرتفعة للغاية من الأبوين. وغالباً ما يخبرهم أباءهم بضرورة التفوق في كل من الأنشطة الأكاديمية وغير الأكاديمية، مما يمكنه التسبب لهم في الإحباط والصدمة عند الإخفاق في تحقيق هذه التوقعات التي غالباً ما يصعُب تحقيقها. وقد أظهرت الأبحاث أن الأطفال الذين يصفون أنفسهم بأنهم “يسعون لتحقيق الكمال” يكونون أكثر عرضة للمعاناة من الاكتئاب والقلق وتعاطي المخدرات.
الشعور بالإهمال
من الشائع جداً ترك الأطفال والشباب المراهقين من أبناء العائلات الثرية بمفردهم لعدة ساعات في الأسبوع؛ ويمكن أن يكون هذا بسبب أنماط حياة والديهم يصاحبها عادةً ساعات العمل الطويلة المتطلبة للحفاظ على مهنة عالية الدخل. ورغم افتراض العديد من الآباء زيادة هذا لـ “الاكتفاء الذاتي” لأطفالهم، إلا أنه قد يؤدي إلى شعور الأطفال بالإهمال العاطفي. يمكن لهذا أن يكون نتيجة لعدم قضاء الآباء وقتاً كافياً للترابط مع أطفالهم، وبالتالي يفتقضون فرصة دعم أطفلهم عاطفياً. وقد ثبُت أن الأطفال الأغنياء هم أقل احتمالية لمشاركة أوقات الوجبات مع والديهم.
كما أن الآباء الأثرياء أكثر أرجحية لتوظيف مربيات أو عاملات منزل لرعاية أطفالهم. يمكن أن يؤدي هذا إلى شعور الأطفال بالتخلي عنهم فعلياً من قبل أباءهم. من المرجح أيضاً أن يلتحق الأطفال الأغنياء بالمدارس الداخلية، مما قد يؤدي إلى مزيد من الإضرار بعلاقتهم مع والديهم. وقد تم ربط ذلك أيضاً بمشاكل الصحة النفسية التي تحدث لاحقاً في الحياة.
نظرة المجتمع الخاطئة وآثارها السلبية على الأغنياء
سبب آخر للصدمات النفسية هو إمكانية أن تكون الثروة سبباً في كيفية الاعتقاد الخاطيء لعامة الناس بمدى سهولة حياتهم. فمن الأكثر أرجحية أن يتجاهل الناس وألا يتعاطفوا مع مشاكل الأغنياء. يعكس هذا أيضاً كيفية تعامل مُقدمي الخدمات معهم. بالإضافة إلى إظهار إحدى الدراسات أن ضحايا العنف المنزلي الأثرياء يتم التقليل من شأن مشاكلهم، مع افتراض الناس أن ترك شريكهم سيكون أمراً بسيطاً بسبب وضعهم المالي. وجد الباحثون الذين قاموا بدراسة الأشخاص الذين نشأوا أثرياء، أن لديهم مستويات متزايدة من النرجسية والاستحقاق، مع ارتباط السمتان بزيادة خطر إدمان المخدرات.
آثار الثروة السلبية على الأغنياء
يمكن أن يكون لنمط الحياة الذي يعد هدفاً أساسياً من تحقيق الثروة المادية للكثيرين، أن يكون له آثاراً سلبية على الصحة النفسية. ومن الأمثلة على ذلك العمل لساعات طويلة، والتي يمكن أن تكون مرهقة عاطفياً وجسدياً، ويترك القليل من الوقت للعلاقات الشخصية. يمكن لهذه السمات التي تسهل الوصول إلى هذه المستويات من النجاح، مثل التفكير المنفرد والانتهازية، أن تدمر هذه العلاقات أيضًا. يمكن أن تكون طريقة التفكير القائمة على الحاجة إلى اكتساب الثروة أن تكون مدمرة أيضاً؛ حيث يُترك الناس في حالة دائمة من عدم الرضا واتفكير الدائم بوجود المزيد من الثروة لاكتسابها.
الاستنتاج
لقد أوضحت هذه المقالة لماذا لا تعني الثروة وأسلوب الحياة المرتبط بها أن المرء محصن ضد الصدمات النفسية، حتى لو كان ذلك يعني أنهم معزولون عن بعض الظروف المؤلمة مثل الفقر. الصدمة النفسية هي أمر شخصي، مما يعني أن الشيء الذي قد لا يؤثر على شخص ما يمكن لتأثيره أن يكون مدمراً على آخر. الواقع أيضاً أن للثروة صدماتها الفريدة الخاصة بها، ولهذا السبب من المهم للغاية أن يعالجها ممارسون يفهمونها حقاً.